الخميس، 1 أكتوبر 2015

السرقة .. مفهومها ، أشكالها ، أسبابها ، سبل العلاج

تعد السرقة إحدى المشكلات المؤثرة في مرحلة الطفولة والمراهقة ، والتي يعاني منها المجتمع بكل مستوياته ، ويأتي هذا البحث المختصر ليسلط الضوء على هذه المشكلة والتعرف على أشكالها وأسبابها وسبل علاجها ...



مقدمة :
المنزل هو البيئة الأولى لتعلم قيمة الأمانة ، والسرقة صفة يتعلمها الطفل نتيجة للظروف المحيطة به ، فهي مثل الأمانة تكتسب عادة عن طريق الممارسة تحت ظروف معينة أو نتيجة الاقتداء بالآخرين وغالباً ما يتعلم الطفل السرقة في الطفولة المبكرة ، كما أنها تظهر في حياة الطفل أو المراهق إذا ما وقع تحت تأثير الضغوط النفسية واضطر إلى السرقة لإثبات ذاته أو حمايتها .
ومن المعلوم أن الطفل يتعلم أول دروس الأخذ والعطاء داخل الأسرة فهو يتعلم أن له ملابس خاصة به ، ولعب يلعب بها ومكان ينام فيه ،وعندما يكبر ويتعامل مع الأطفال الآخرين يبدأ مفهوم الملكية الخاصة في التغيير التدريجي فنجد أن أخاه أو صديقه يريد أن يلعب بلعبته ، ويريد أن يلعب بلعبهم وهنا تصطدم الملكيات الخاصة لكل منهم ، والأسرة السوية هي التي تعود أطفالها على الأخذ والعطاء وفي الوقت نفسه تدعم الشعور بالملكية الخاصة .

تعريف السرقة :
تعرف السرقة بأنها الاستحواذ على ما يملكه الآخرون دون وجه حق، وهي عادة يكتسبها الأفراد، أي أنها ليست وراثية أو فطرية، وهي في الوقت نفسه ليست حدثا قائما بذاته، وإنما هي سلوك يعبر عن حاجات نفسية معينة.
ويمكن فهم هذا السلوك في ضوء دراسة شخصية الطفل ومعرفة الدوافع وراء لجوئه إلى السرقة .


أشكال السرقة :
1) سرقة الحرمان : وتكون عادة نتيجة لحرمان الطفل من أشياء يستمتع بها من هم في مثل عمره من مأكل ومشرب وملبس ومصروفات وأدوات فيحاول سرقة بعض ما يمتلكوه .
2) سرقة جذب الانتباه : يلجأ الطفل لهذا النوع للفت نظر والديه أو الكبار من حوله نتيجة تعرضه للإهمال أو الرفض أو انشغالهم عنه .
3) سرقة التقليد : يقوم بها الطفل لتقليد رفاقه وخاصة إذا كان يحصل من السرقة على تعزيز يدفعه للاستمرار فيها .
4) السرقة للانتقام : يلجأ الطفل هنا للسرقة لكراهيته الشديدة ممن يسرق منهم سواء أكانوا كباراً أو أقرانه لكي ينتقم منهم ويصيبهم بالحزن .
5) سرقة إثبات الذات : يقوم بها الطفل ليثبت لنفسه أو لغيره بأنه الأقوى خاصة أن رفقاء السوء وبعض الأطفال يشعرون بمتعة في ذلك العمل .
6) سرقة حب التملك : يلجأ الطفل في هذا النوع إلى السرقة لإشباع حاجاته إلى الاستحواذ على ما يرغب تملكه .
7) السرقة كاضطراب نفسي : قد تكون السرقة عرضاً لاضطراب نفسي يعاني منه الطفل كمن يعاني من مرض ذهاني مثلاً .

دوافع وأسباب السرقة عند الأطفال :
1) حب الاستطلاع والاستكشاف : فسلوك الوالدين خاصة عندما تكون الأم والأب شديدي الحرص بصورة مبالغ بها في الحفاظ على الأشياء الغالية والرخيصة حيث يبالغان في اتخاذ الاحتياطات الأمنية للحفاظ على الأشياء بعيداً عن متناول الأطفال فيندفع الطفل بدافع حب الاستطلاع والاستكشاف لمعرفة ما يقوم الوالدان بإخفائه عنه والعبث به أو سرقته .
2) الجهل بمعنى الملكية وعدم النضج : فالطفل حينما يسرق ممتلكات الآخرين لا يفعل ذلك بدافع السرقة لذاتها بل لجهله بمعنى الملكية فهو يعتقد بأن ما يفعله ليس أمراً مشيناً ولا مذموماً وهو أحياناً لا يفرق بين الاستعارة والسرقة ، لأن نموه العقلي والاجتماعي لا يمكنه من التمييز بين ماله أو ممتلكاته وما ليس له أو ممتلكات الآخرين ومثل هذا الطفل لا يمكن اعتباره سارقاً .
3) التقليد والمحاكاة : في بعض الأحيان يلجأ الطفل للسرقة كنوع من التقليد والمحاكاة للوالدين أو أحد أصدقائه خاصة إذا نشأ الطفل في بيئة تمتهن هذا الأمر وتتجرأ عليه .
4) الغيرة والانتقام : قد يلجأ الطفل للسرقة في بعض الأحيان بدافع الانتقام من والديه لقسوتهما عليه أو لغيرته من المحيطين به خاصة إذا تمت مقارنته بهم وفضلوا عليه .
5) التفاخر والمباهاة : بعض الأطفال يعانون من فقرهم وقلة ذات اليد لديهم ولدى أسرهم فتجد الطفل يرق بعض الحاجات ليتباهى ويتفاخر أمام زملائه بأن أحد والديه قام بشرائها له .
6) الفقر والحرمان وتعويض مشاعر النقص : فالطفل قد يقوم بالسرقة في حالة كانت الأسرة تعاني من الفقر أو البخل ، أو لشبع هواية من هواياته .
7) الخوف من العقاب والتخلص من مأزق : في بعض الأحيان قد يفقد الطفل لعبه أو أمواله أو أشياء أهله أو الآخرين فيخشى من إخبارهم بفقدانها فيتعرض للعقاب واللوم والتوبيخ وليتخلص من هذا المأزق يقوم بالسرقة ليخفي خطأه .
8) الاستهزاء والابتزاز : أحياناً ما يكون الطفل من النوع الذي يسهل استهوائه فيقع في براثن شخص منحرف يستخدمه كأداة للسرقة تحت تأثير أي خطأ م يمكن أن يهدده به من وقت لآخر .
9) الحرمان العاطفي : يشعر الطفل أحياناً بأنه مهمل ممن حوله فيحاول من خلال السرقة جذب انتباههم إليه .
10) افتقار القيم : ينشأ الطفل أحياناً دون بناء وترسيخ لقيم مهمة في حياته كالصدق والأمانة والصبر والعدل و الحب والتعاون .
11) التعزيز الخاطئ : فقد ينشأ الطفل في بيئة تشجع على السلوكيات الخاطئة بطريقة غير مقصودة فعندما يسرق الطفل مثلاً يتعجبون من سرعته وخفة يده أو طريقته الذكية في السرقة دون التنبه إلى خطورة هذا السلوك .
12) التدليل الزائد : فالطفل المدلل نشأ على مفهوم الأخذ فقط وأن بإمكانه الحصول على كل ما يريد دون أن يقدم شيئاً مقابل ذلك .
13) التهوين من شأن السرقة : فقد يقوم المحيطين بالطفل بعدم اتخاذ أي إجراء لمعالجة السلوك في بدايته اعتقاداً بأن الأمر لا يستدعي ذلك ,أحياناً باعتقاد أن ما أخذه الطفل في محيط ممتلكات الأسرة .
14) تدني مستوى الذكاء والتكيف الاجتماعي للطفل : مما يتسبب في إقدامه على سلوكيات كالسرقة مثلاً دون إدراك لما تمثله هذه السلوك داخل مجتمعه .
15) إهمال المحيطين به لحقوق الآخرين : فالطفل مراقب ذكي ويتقمص في كثير من الأحيان شخصيات وأفكار وأساليب من يحيطون به .

دور الأخصائي النفسي في مواجهة مشكلة السرقة :
عندما تتم إحالة الطفل السارق إلى الأخصائي النفسي عليه أن يقوم بما يلي :
1) تنظيم مقابلة مع الطفل يقوم من خلالها بالتعرف على الدوافع التي تجعل الطفل يقوم بهذا السلوك وأسباب ذلك ، لتحديد أي نوع من أنواع السرقة يقوم بها الطفل ليتسنى له وضع البرنامج الإرشادي الملائم لحالة الطفل .
2) قد يتطلب الأمر تنظيم مقابلة مع الوالدين ليتعرف منهما على مدى تكرار السلوك ، وما يمكن أن يقدماه من مساعدة لابنهما في التخلص من هذا السلوك مع طمأنتهما على السرية في معالجة المشكلة والتركيز على أهمية التصدي لها وعدم التهاون معها من خلال إنكارها أو نفيها ، وتوعيتهما بخطورتها وما يترتب عليها من نتائج سلبية .
3) ستخدم وسائل جمع المعلومات المتنوعة كالملاحظة ودراسة الحالة والاختبارات والمقاييس النفسية والعقلية وذلك لتحديد ما يلي :
  • هل سلوك السرقة عرض لأحد الاضطرابات النفسية أو هي مشكلة مستقلة ؟
  • ما هي الدوافع الخفية وراء قيام الطفل بهذا السلوك ، وما مدى تكراره ؟
  • ما هي الصراعات و الإحباطات التي تواجه الطفل فتدفعه لهذا السلوك ؟
  • ما هي نوعية الأشياء التي يتم سرقتها ؟
  • ما مدى نجاح الطفل أو فشله في الدراسة ؟
  • ما المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لأسرة الطفل ؟


في ضوء الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها مما يثار في ذهن الأخصائي النفسي يتم وضع الحلول المناسبة .
  
طرق حل وتعديل السلوك :
1) استخدام النمذجة في إنقاص السلوك : حيث تستخدم طريقة الأثر الكافي أو المانع وفيه بعرض على الطفل نموذج يتلقى عقاباً على سلوك السرقة فيصبح أقل ميلاً للقيام بهذا السلوك في المستقبل.
2) التعزيز :من خلال تنظيم بعض المواقف التي تظهر أمانة الطفل وما يعقب ذلك من تعزيز سواء كان تعزيزاً رمزياً أو اجتماعياً أو مادياً وإلى غير ذلك .
3) العقاب : تعريض الطفل لمثيرات منفرة يترتب عليها كف السلوك غير المرغوب فيه (السرقة) أو تقليل حدوثه من خلال نوعين من العقاب ( العقاب الإيجابي : وهو تعرضه لمثير منفر ، العقاب السلبي : وهو استبعاد شيء سار للطفل أو حرمانه عندما يصدر منه سلوك غير مرغوب فيه ) .
4) الإقصاء : إجراء يعمل على تقليل أو إلغاء السلوك غير المرغوب فيه (السرقة) من خلال إزالة المعززات مدة زمنية محددة مباشرة بعد حدوث السلوك وهي نوعان ( سحب الطفل من البيئة المعززة ، أو سحب المعززات عن الطفل ).
5) تكلفة الاستجابة : تأدية الطفل للسلوك غير المرغوب فيه (السرقة) سيكلفه شيئاً معيناً وهو حرمانه أو فقدانه بعض المعززات الموجودة عنده .
6) التصحيح البسيط : قيام الطفل الذي صدر منه سلوك غير مرغوب فيه (السرقة) بتصحيح وإزالة الآثار المترتبة على سلوكه .
7) التصحيح الزائد : وهو قيام الطفل بالقيام بأعمال إضافية بعد تصحيحه وإزالته للآثار المترتبة على سلوك السرقة .
8) الإطفاء : حجب مدعّم عند ظهور سلوك غير مرغوب فيه ، فالسلوك الذي لا يدعّم يضعف ويتلاشى ، ويشير الإطفاء إلى تلاشي الاستجابات غير المرغوب فيها عند إيقاف التعزيز الذي أدى إلى استمراريتها ، واختفائها بصورة تدريجية ، فإذا كان التعزيز يزيد من احتمال ظهور الاستجابة فإن الإطفاء يقلل من ظهورها وبالتالي اختفائها .
9) الإرشاد العقلاني : وهو يفترض أن الاضطرابات والمشكلات النفسية إنما تنشأ عن أنماط خاطئة أو غير منطقية في التفكير ولذلك فإن التعديل يتم بأسلوب الإقناع العقلي بالحوار المنطقي وإظهار الجوانب الخاطئة في التفكير .
10) ضبط الذات : يتضمن الضبط والتقييد الذي يمارسه الفرد على نفسه .


دور الوالدين في الحد من سلوك السرقة :
يقوم الأخصائي النفسي بعقد لقاء مع والدي الطفل الذي يقوم بالسرقة وذلك لكي يكون لهما دور فعال في الحد من ذلك السلوك وذلك من خلال إتباع التعليمات التالية :

1) تنمية الوازع الديني والضمير لدى الطفل وذلك بإخباره بعقوبة السارق في الآخرة ، وإعطاؤه أمثلة ونماذج يمكنه الاقتداء بها دائماً ، وخير مثال لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي عرف بالصادق الأمين .
2) ينبغي للوالدين البحث عن الأسباب التي تدفع الطفل لذلك السلوك ، هل هو بسبب غيرته من أخوته أم بسبب سوء معاملتهما له ، ام بسبب الحرمان المفروض عليه ، وإلى غير ذلك من العوامل حتى يسهل التصدي للمشكلة وعلاجها من جذورها .
3) ينبغي أن يعرف الطفل ما له وما عليه ، أو بمعنى آخر الحدود الفاصلة بين ما يملكه وما يمتلكه الآخرون ، مع ضرورة احترام ملكية الآخرين .
4) دم ترك أشياء مغرية أمام الطفل يسهل سرقتها كالنقود والذهب وغيرها من الأشياء الثمينة التي يمكن أن تغريه .
5) ضرورة متابعة سلوك الطفل ومراقبته وذلك حتى لا يتكرر السلوك فيتأصل ويصعب معالجته ، وضرورة التعرف على رفاق الطفل وسلوكهم حتى لا يحذو حذوهم .
6) ضرورة تحديد مصروف ثابت للطفل يشتري منه ما يراه ضرورياً ، وان يعطى الثقة عند طلبه نقود مادام أنها تصرف في أشياء مفيدة .


دور المدرسة في الحد من سلوك السرقة عند التلاميذ :
1) إذا تم ضبط تليمذاً يسرق فلا ينبغي التشهير به أمام زملائه بل يجب دراسة حالته ، وأن يعمل المعلم على معالجة الموقف بحكمة ، حتى لا يخلق منه مجرماً وسط زملائه .
2) إذا امتدت يد التلميذ إلى شيء لا يحق له أن يأخذه ، نعلمه في رفق أنه يجب أن يستأذن قبل أخذ شيء ليس له .
3) ينبغي دراسة حالات التلاميذ الاجتماعية ، والعمل بما تيسر على مساعدة الفقراء منهم مساعدة مالية ، بما يجعلهم في غير ذي حاجة إلى خوض تجربة السرقة .


    ===========================================
المراجع :
  •  الببلاوي،إيهاب وآخرون  (2004) التوجيه والإرشاد النفسي المدرسي  ، الرياض ، دار الزهراء .
  • عقل ، محمود (1419) النمو الإنساني الطفولة والمراهقة  ، الرياض ، دار الخريجي .
  • الشيخ ، أسامة (2008) مدخل إلى التوجيه والإرشاد المدرسي  ، الرياض ، دار الرشد .
  • حمام ، فادية وآخرون (2009) علم نفس النمو ، الرياض ، دار الرشد .
  • القاضي ، يوسف وآخرون (1981) الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي ، الرياض ، المريخ .
  • الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد (1428) دليل التربويين لرعاية السلوك وتقويمه ، الرياض .

هناك 8 تعليقات: